نموذج الاتصال

الأرض أمنا جميعًا

 

"إن الأشياء تبدو أقل ضررًا إن وقعت على الجماعة"


لستُ أول من يصاب بالكوفيد، ولست الأخير -نظرًا لأعداد المصابين اليومية- ولكن من طبيعة هذا الداء أنه يجعل المرء لوحده، بدءًا من الرسالة التي تقول "اعزل نفسك."


باختصارٍ مُخل: في يوم 22/3/2022 ذهبت إلى نقطة الفحص ذهاب من يرغب بالتأكد من أمرٍ غير محتمل الحدوث، أخذوا العينة مني، عُدت، وصلتني الرسالة في التاسعة صباحًا> قصة قصيرة جدًا.


لا أرغب في الكتابة عن الأعراض، أظن الجميع يعرفها ولو نظريًا، وإنما المهم وصف ماهية أن يبتعد الناس عني لأنني أصبحت موشوم، أو لأنني فقدت هويتي كمتعب في هذه الأثناء وأصبحت "السيد كورونا." جاءنا فنيّ ليصلح المصابيح وما إن دخل الممر وأنا مضطر للمرور به مع ارتداء كمامتي -ومن الغرابة أن يرتدي المرء كمامة في بيته إلا إن كان به مرض- فقال لي "you corona?" وبدلاً من أن أقول نعم لدي كورونا، أجبت "yes, I'm corona"


عن شعوري وأنا في آخر المكان الذي يتحلق به الناس وكأنني غريب، وربما كنت كذلك، عن الكأس الذي يوضع في منطقةٍ محايدة ما بيني وبينهم لأنهض وألتقطه، ليشعرني هذا الكأس بالحد الفاصل ما بيني وما بين الآخر. ما بين الطبيعي، وما بين الغريب.


من المفارقة أن العالم بأسرهِ يودع الفايروس، وأنا أيضًا، ولكنه أصر على مصافحتي قبل الذهاب كتحية فراق من صديق لبثنا مع بعضنا البعض سنتين، لم يرد أن يذهب دون أن يترك لي منه ذكرى، وشأنه شأن الأحباب والأعداء، وكل من يخشون النسيان، لم تهمه أن تكون هذه الذكرى جميلة أو سيئة، بل كل ما كان يدور بباله ألا يذهب دون أن يترك بي منه شيء.


ولكن من العزاءات أنني أستطيع القراءة دون أن يأتي أحدهم ليقول "خاوني لـ..." لأنني محجور، وأنظمة الدولة تمنع ذلك، وأنا كما هو معروف عني منذ الأزل أقدس القوانين، لذلك أتركوني أقرأ. أظن أن كافكا لو كان لديه قانون يجعله ليس مضطرًا أن يقابل الناس، قانون يمنحه العذر المستساغ أن يجلس في بيته لوحده، لقدس القوانين، بدل أن يشتمها.


 

الآن أبحث عن صورة لأضعها كخلفية للتدوينة، ووجدت صورتين:

1- هذا الآسيوي الذي شعرت أنه يمثلني في هذه الفترة، بكوب قهوته وما يقرأ، وبالمناسبة: حتى القهوة في هذا الوقت أصبحت غريبة علي واختفى مذاقها خشية أن أنقل له العدوى.



2- صورة هذا المسن وهو يرتدي كمامته، صورته جميلة، بها شيء جاذب لا أعلم ما هو، ولكنني آثرت اختيار الأولى، ووضعت هذه الصورة كهدية -غير ثمينة- ليطلع عليها من ولج إلى التدوينة وقرأها للنهاية.




* العنوان: "الأرض أمنا جميعًا" عبارة لعبدالرحمن منيف، حين بحثت عن الصور التي تحتوي على كورونا وجدت المصابين به من شتى الِبقاع والقرى، من العاصمة الفرنسية باريس، ومن محافظة تقع شرق بريطانيا، أو قرية في شمال الفلبين، من كل جزء على وجه الأرض يرتدون "كمامة، mask، masquer" أو أيًا يكن اسمها، توحدنا في الجائحة، لأننا على الأرض، والأرض أمنا جميعًا.

2 تعليقات