نموذج الاتصال

لطالما كان الناس يضحكون عفويًا

 

لطالما كان الناس يضحكون عفويًا، في الشارع، أثناء جلوسهم في المواصلات، في انتظار موعد، مع عامل الطلبات، ولكن في هذا الوقت التاريخي تحديدًا، أصبح الضحك أكثر تكلفة ومشقة، لم يعد من المستساغ أن تستلقي من الضحك على مشهد لناصر القصبي وركضته الشهيرة، بات حتام عليك أن تذهب إلى حسابات متخصصه لإضحاكك.

 

فقدان الابتسامة الطبيعي عند البشر جعلهم يكثفون هذا الحضور القوي للنكتة في أسلوب لم نكن نراه من قبل، (فالميمز) لو مددناها من (حي 91) إلى (حي الفاخرية) لما نفذت، وبالمناسبة هذه أحياء في الدمام جدًا متباعدة.

 

والأنكى من الميمز، أن يذهب المرء للعروض التقديمية في (الستاند أب كوميدي) ويدفع تذكرة عند الباب، ثم يمر في دهليز طويل ليجلس على كرسي لينتظر هذا الأراجوز الذي سيخرج لإضحاكه، فحتى الضحكة في وقتها لن تأتي عفوية، فالمرء يحمل الضحكة معه منذ أن يدفع التذكرة ويصبح متحفز لأي كلمة تقال لينفجر ضاحكًا في تمثيلية هزلية رديئة.

 

الابتسامة البسيطة، العفوية، التلقائية، التي قال عنها رضا المصري "الضحك الإيجابي العفوي التلقائي غير المتكلف له جمال مادي يظهر في وجه الضاحك وله جمال معنوي مستحب" ذلك الذي بعد أن تضحكه تبقى مبتسمًا لدقائق، ليس لأن النكتة كانت مثيرة لهذه الدرجة، ولكن لأن السعادة تسكن في القلب ولا تتزعزع، ليست سعادة لفظية، هي مشاعر تستقر، بينما في عروض الضحك، يخرج المرء وهو يتنهد لأنه أُنهك من الضحك، كان متكلفًا، والتكلف يهلك الروح، وليس ضحكًا حقيقيًا لأن (بند كروتشه) يقول "الضحك هو الجمال الذي لا يُتعب أبدًا."

 

لا أعلم لماذا وصلنا إلى هذه الحالة من البؤس في حياتنا وتصرفاتنا، كيف عز علينا أن نستدرج الضحك والقهقهة إلى روتيننا اليومي. يذكر رضا أن الحياة إن كانت شديدة فيخفت الضحك تدريجيًا، ولكن أيضًا من جهة أخرى ثمة ضحك تنفيس، الضحكة التي تتخلل أعقاب المصيبة لتخفف من شدتها، ويسمى (ضحك التنفيس)

 

أتذكر أن أحدهم صدم في عامود وهو يرجع بالسيارة إلى الخلف -غشامة زائدة- ثم نزل وهو يضحك وقال "يا سلام، سيارتي صار عندها غمازة" صحيح أنه غبي، ولكنه كان سعيد، كان يضحك في أثناء مصيبة قد (يجلد) من أبيه بعدها على هذا التصرف الأرعن.

 

ختامًا لو حدث ما حدث في حياتي، وتفاقم الاكتئاب بي حتى أصبحت أبتلع 20 ملجم من السبراليكس يوميًا لن أذهب للستاند أب كوميدي، لن أجلس في أسفل المنصة لأنتظر من يضحكني، تالله أن هذا المشهد يحمل من البؤس والسوداوية أكثر من بؤس وسوداوية شوبنهاور، ومشهدية من أتوا ليتطلبوا البسمة بالمال مخزية، وتنم عن ترحٍ شديد.


______

1 تعليقات

  1. مِتعب..بارك الرحمن نصوصك..وهذه الحقيقةُ المُترعه

    ردحذف