نموذج الاتصال

الموت فلسفيًا

 "لا شيء يعطي تفسيرا تاما ً للحياة، غير الموت" حمزة شحاتة (1909 - 1972م)


في حديث الزمان وتناول أزلية الموت وهذه الثنائية بينه وبين الحياة نقف متأملين عدة فرضيات, فمثلاً حمزة شحاتة يعتقد بأنه لولا الموت لما كان للحياة معنى وهو الضد الذي يظهر ضده - الحياة - ولكن هناك نظرة أخرى تقول بأن الموت ليس نهاية وليس تفسيراً ولا يقوم مقام التضاد الوارد في عبارة حمزة شحاتة, بل هو امتداد وواقع آخر ومن هذا قول توفيق الحكيم (1898-1987) في حوار بين إنسان وكوكب الإرض -من كتاب حديث مع الكوكب- حين نفى الكوكب فرضية الموت وقال أنه لا وجود له; فقال الإنسان "نحن نعيش في كل يوم مع الموت" فرد الكوكب بقوله "تقصد بالموت إذن تحول الحياة من صورة إلى أخرى."

ويدندن حول ذات الفكرة د. سعيد السريحي (...-...) حين يقول في حوار بينه وبين الطبيب - من كتاب الحياة خارج الأقواس - حين سأله «يا حاج من إمتى بديت تحس الألم» فيقول « من يوم ما شلت الجْمال» وهو بذاته لم يحملها، ولكن من حملها جده السابع (راضي أبو الجمال) فهو يرى أن الإنسان عندما يموت لا يموت! وإنما تكمل مسيرة حياته الجينات عندما تتمرد على الأقواس أو تلج إلى خارجها حاملة تاريخ الوفاة إلى سلة المهملات حيث لا يعبأ بها أحد, واحتراماً لنظرية السريحي تركت أقواسه فارغة بلا تاريخ, فهو المتمرد عليها ولذلك لا نحصره بها, وهو الذي يشعر بما كان يقاسيه جده السابع, فكيف نعرف مولده, وكيف نحدد وفاته.

ولكن بيد الحكيم والسريحي هناك نظرة أخرى مغايرة لما قالوه, وهي نظرة بها من التأمل الشيء الكثير, حين تتحدث عنها غادة السمان (1942-...) - من كتابها الجسد حقيبة سفر – وتقول «وجودنا الفاني على وجه الأرض ما هو إلا وجود مسافر في صالة الترانزيت، وهذه الدنيا بأكملها ليست سوى قاعة انتظار كبيرة يحل فيها المسافر قادماً من حيث لا يدري، يقضي ساعات فيها، يحب، يضحك، يقاتل، يبكي، يرقص، يكتب الاشعار، ثم فجأة ينادون اسمه، ولا يملك إلا أن يطيع» فالحياة لدى غادة السمان  هي اللحظة التي تهبط بها الطائرة في مطارٍ ما ويذهب الإنسان ليعبث بالمطار لكي يمضي الوقت، يصل إلى صالة الترانزيت للانتظار.. ماهي إلا ساعات ويغادر على ظهر طائرة أخرى؛ هذه هي الحياة, هي اللحظة; ما بين طائرة تحطّ بك إلى الصالة وبين تلك التي تأخذك منها.

ولكن مهما تعددت التأويلات لحقيقة الموت, إن قلنا أنه التفسير التام للحياة أو امتداد لها أو نفيناه بالكليّة أو قلنا بأنه بمثابة الطائرة التي لديك حجز مؤكد عليها, لن نستطيع إخفاء حقيقة سلبه الروح وإبقاءه الجسد كومة لحمٍ خاوية جمّدها عن النطق والحركة إلى أجلٍ غير مسمى, إلى مصيرٍ لا نستطيع الجزم به.



- نُشر في مجلة اليمامة

_____
#حمزة_شحاتة #توفيق_الحكيم #سعيد_السريحي #غادة_السمان #فلسفة_الموت 




1 تعليقات

  1. تعاصرُني الحياه..شخصٌ ما أتى ليبحث عن خوالج روحه بين أسطرك
    وسخافةُ الحياةِ وضيقُها جعلت مني شخصاً يواسيهِ شطر وينقضُ جرحه آخر،لا عدمنا حرفُك دُمت مدراراً لسكبها وأتمنّى أن تكون من سعاده لا من كدر.

    ردحذف