نموذج الاتصال

هَمْهَمَاتُ الغِيَاب


مناديلٌ متسخة، مكتبٌ مبعثر، أكواب قهوةٍ تملأُ الطاولة، كُتبٌ لا أملكُ من الوقتِ وقتاً كي أطالعها. 
أستندُ على نفسي في خلوتي وأفكر لمن هذه التضحيات، وهل كان يستحق! عندما قال لي ذات عشقٍ وصبوة -وأنا مُنهمكٌ في المطالعة- «أنت ما تحبني، أنت تحب الكتب» فتركتُها إلى غير أجل وبتُ أرقب عينيه بكل بلاهةِ الكون والوجود.
 
في آخر الوقت، في الساعات التي تلت الأفعال، في الأفعال التي تلت التصورات، لم أعد مناضلاً لما كنت أناضل من أجله فيما قبل. فهل تكونُ الأصابع التي اكتحلت بكلِّ رذيلة الدُنيا، تلامس شعره ذات مساء. وهل بكاءهُ في ليلةٍ لا أكونُ بها، مهماً لي؟
 
ركضتُ إلى خطِّ النهاية حتى أفوز وحين وصلتوجدتهم قد سبقوني. وجدتُ الفوز محض كذبة. ووجدتني (دقة قديمة) وإنسان لم يعد صالحًا للاستعمال البشري، ينأى بنفسه كما ينأى البطريق عن القطيع بعد أن يشعر بالإهانة، يا صديقي: إنَّ المسابقة بذاتها لم تكن ترغبُني فائزاً، فكيف أسحق الخصوم!
 
مطبخ، طبقٌ محترق وإنسان يأكل الرماد، صالة، محطةُ تلفازٍ تقدمُ برنامجًا سخيف، غرفة، سقفٌ لا يملُ من مشاهدتي ولا أمل من مشاهدته، مطبخ، صالة، غرفة
 
في تسلسلي بين ما أردتُ وما تحقق كانت الخيبة، بين ما أحببتهُ وما نلتهُ بكاءٌ مُستعر، عِشقتُ فكرة المطاف وودتُ من كلِّ قلبي أن لا أجد نهايته، نهاية المطاف شنيعة، أشاح عني وكأنني قطعةٌ من قماش لوثها العفن وكستها الشقوق. وهل تُعيبُني وحدتي، فأكون في خضم العالم راسٌ يفكر أمام تلك الدوائر، تلك العِظام، تلك الأجساد التي يجب أن تُسحق، تلك الخِراف الماضية في غيَّها.
 
لا بأس، لا يوجد لدي ما أقلق بشأنه، فلماذا القلق يتولد لديَّ في كل لحظةٍ، لا ينقطع، إن الابتسامة تقلقني وأصوات المارة، أتلعثم أمام محضَّر القهوة حين يمد فنجان قهوةٍ قد طلبتهُ منه، يرتبكُ مني وأرتبك منه، فهل كان يعلم، هل جميعهم يعلمون ويجاملون، كم ارتأيت أن مجاملة المجنون فكرةً سديدة، أسلمُ لي وله، فهل أنا مجنون، هل هم جميعاً تكسو ملامحهم الرأفة لأنهم يتخذون الطريقة الأسلم؟
 
شعرٌ ليس بشعر، بل هو كومة قش، شيئاً يمكن أن يستخدم كاستعارةٍ عن أي شيءٍ غير مرتب، وجهٌ قد بانت الصروف عليه وتجلى عدم الاهتمام في تلك الشعيرات البائنة على
الصدغ والهالات، رآني صديقي وقال ممازحاً «متعب أنت شكلك رايح لحفلة هالوين» فأضحك وأقول في سرَّي «حياتي بأسرها هالوين يا صديقي»
 
فطاب لهُ ما يصنعُ بي، ففي بعض الألم لذةٌ للمتسبب بهِ وكم فينا من مريضٍ يمارس في العشقِ مرضهْ، فقال «يا متعب أترك الجوال وطالعني» فتركت الهاتف دون رجوع. حينها، وحينها فقط اتسعت الأحضان الأخرى لتتسلمه من بين يديَّ، وبتُ لا هاتفٌ أتسلى به، ولا عيونٌ أنظرُ إليها.


2 تعليقات