نموذج الاتصال

جاهلٌ أخير مِنْ عارفٍ

جلسنا ثلاثة شباب نتحدث في إحدى البرامج التي تتيح لروادها تجربة المحادثة الصوتية الجماعية، وتحدثنا كثيرًا حول مواضيع يعجز الفهرست عن إحصائها، وبقينا ننحو هذا حتى أتانا ملحد مهذب الخلق ويبحث عن الاستنارة، وبعد التحية والتعرف قدم السؤال الذي أتى من أجله: "لماذا الإسلام هو الصحيح"

ليس بنا من كان متخصصًا في هذا الجانب، وإنما صاحبنا الثالث يحب الحديث ويستهوي الملاطفة. فطال به الحديث وهو يميل على الشعر تارة وعلى ما سمعه من قبل عن سماحة الإسلام تارة، بلا أن يعزو كلامه لشيخٍ أو كتاب.

أحب من أتانا حديثه، وبدا على نبرات صوته الارتياح وازدادت رغبته بالأخذ، فسأل "إذا كان الإسلام يحث على كل هذا، ليش نلقى مسلم ويشرب، مسلم ويدخن" فقال صاحبنا وصوته يدل على التلطف "مسلم وزاحف، ما فيها شيء" فضحك من أتانا سائلًا.

 

أثناء هذا كان صاحبنا الثاني -وهو لديه بعض العلم- يستمع ولم ينبس ببنت شفة، فقرر في هذه اللحظة التحدث وكم وددت لو أنه حبسه حابس أو نبتت له حبة في لسانه منعته عن الإبانة إلى الغد. لكنه تحدث، وقال "انت عاجبتك حياتك؟ قال ابن تيمية في كتابه عن المعتزلة … [لفظ قبيح] والذي أنت خلفهم" وبدأ يهاجم هذا الشاب.

نظرت لصوت الشاب مرةً أخرى وقد زال ما ظهر، وذَهَبَ البِشْرُ وانحسر.

قال الشاب "طيب أنا جيت أسأل" ثم صدح صاحبنا وكأنه محامي ادعاء قد قبض على قولٍ لمتهمٍ يدينه بحبسٍ مؤبد وقال "هذا سؤال معاند وكأنك من يهود البقرة يوم تدقق بكل شيء، اسمع وأطع" فسكت الشاب مرة أخرى.

لم يطل هذا الصمت كثيرًا قبل أن يشكرنا الشاب بعبارات تدل على تهذيبٍ قد تعلمه فيما مضى، ومضى. حينها عرفت أن العلم بلا أسلوب، كاللبن اللذيذ المسكوب، فلا ينتفع به أحد رغم روعته بذاته.

وربما حسن الحديث لوحده يُصيِّر من أتاك غاشم إلى حاشم. فاستحلفتكم أن تلينوا لكل سائل الكلام، وما يدريكم إن بدل النور بالظلام.


إرسال تعليق