نموذج الاتصال

تجليات ابن عربي

 

دائما نسمع في لغتنا الدارجة عبارة (قل لا وريّحني) ولكن عندما نتأمل هل (لا) راحة أساساً؟ أم أنها خيبة أمل؟

يقول ابن عربي: «بين (نعم) و (لا) تطير الأرواح من موادّها والأعناق من أجسادها» منذ قرأت هذه العبارة لمحيي الدين، وهي لا تنفك تتردد في ذهني وتطرق باب التأمل بلا هوادة، في كثيرٍ من الأحوال عادت علينا هذه الحَيرة بقاسي الخيبة وكانت (لا) ربيعًا وسلامًا أمامها، شعور اليقين لا يعادله شيء، حتى وإن كان اليقين مؤلمًا فالعزاء أنها لم تكن (لا) مؤجلة، الأمل الزائف والانتظار المرتاب ألمٌ متصل، ومن ذا يساوي المتصل بالواحد.


واستوقفني قوله: »إني سافرت لكي أصح وأغنم وأتعلم ما لم أكن أعلم فهجرت الأهل والوطن ورحلت من ساعتي عن أرض البدن«

هنا نجد تعريف للوطن منه مختلف، هو لا يرى أن التراب الذي يولد عليه الإنسان وطن وإنما أرض قطن فيها البدن لفترة وجيزة، وقال في الجملة التي قبلها (الأهل والوطن) هذه الثنائية ربما يكون لها مغزى عميق في النفس، إن الأهل من مرادفات الوطن أو أن الوطن من مرادفات الأهل، وتدور الأفكار في الخلية اليقظة بدماغي وتقول أن وطني أريكةٌ دافئة، وكوب قهوةٍ موغل بالحرارة والمرارة، وصفحةٌ تذرعها عيني ذهابًا وإيابا


وأخيراً فكرة الخيال المتصل والمنفصل لدى ابن عربي أراها في غاية الروعة والجمال، أن يحيا الإنسان في حضرة اللاوعي، في حضرة عالمٍ آخر يكون فيه منفصلاً عن لؤمِ الأقران وشماتة كل لعين، هو في عالم حُب، يسير وفق مقتضى الهو (بفلسفة فرويد) بلا وعيٍ ظاهر وإنما إرادة طاغية ومُسيّرة نحو التدفق دائما، لربما كانت ناجعة في زمن ابن عربي، ولكن من يسير وفق ذات المبدأ في وقتنا هذا، لن يطول به الزمان حتى يستلقي على الأرصفة بقماشٍ قديم ورداء مُهترئ
.


* نشر في مجلة اليمامة بعنوان (بين نعم ولا)



إرسال تعليق