نموذج الاتصال

بين الأمس واليوم


"وأن لديك تحت عينيك دوائر (وأنه لا يمكن لهذه الدوائر أن تظهر بواسطة المصور الفوتوغرافي)، ذلك أنها تذهب بنصف السعادة التي تنطق بها الصورة"
فرانتز كافكا في إحدى رسائله إلى ميلينا
أن يرتضي المحب عيوب محبوبه ويتغافل عنها كما يقول الشاعر العربي (وَعَينُ الرِضا عَن كُلِّ عَيبٍ كَليلَةٌ) فهذا يحصل وربما يكون نبلاً، ولكن أن يُتيّم العاشق بعيوب المعشوق فهذا الذي لا أجد له اسم، سوى أنها منطقة اللامنطقي والحب يزخر بالذين يرتعون بها، بأولئك الذين لا يعبئون بالمعايير، وفلسفة سيادة الذوق، وهم أسعد السعداء في روضة العشق فإن كافكا يقول تباً للصور الفوتوغرافية التيَّ لا تظهر الهالات الداكنة تحت عينيِّ ميلينا. نتيجة انهماكها آنذاك في عملها بالمحطة والذي يقتضي حمل أمتعة المسافرين، فكان كافكا لا يضيق ذرعًا بعيوب الوجه أو يتركها تلجأ إلى المساحيق (التبشيعية) ولكنه يتلذذ بتفاصيل التفاصيل، التي لا تكون الصور سعيدة إلا بها.

عندما فقدت الجماليات معانيها الأصيلة جئنا إلى الحياة. ربما ترى وردة ذوت في حمى الإهمال لأن المحبوبة لم تكن ترغب سوى بهاتف نقال جديد وأودعت خنجر الماديات في خاصرة الحب، ربما نبصر الأحزان تطفو على الأنهار في وضح النهار ذات يوم وتعلن موت الحب. إن كان العالم سيشاهد هذا المنظر ذات يوم أرجو ألا يكون بحياتي، وألا أشهد تشييع جثمانه في هذه الدنيا.
 
 منذ أن أصبحت النساء شكلًا واحدًا ولباسًا واحدًا وابتسامةُ ثغرٍ واحدة حتى انقرض من يعشقون التفاصيل، فلا يوجد مختلفة. ليطفئ أحدكم قارئة الفنجان لأنه يتغنى بالشعر الغجري الذي لم يعد موجودًا، بل الشعر المرسل هو الوحيد يا أيها الأسمر، لو رأيت كيف أصبحوا، وكأنهم يخرجون من معامل للاستنساخ. كم أتمنى أن يكون هناك بقيةٌ باقية من الرعيل الأول، من الذين يهتمون بالضفيرة المائلة ويتغزلون بشعر الصدغ، أولئك الذين يستمعون لموسيقى السبعينات ويبقون متسمرين أمامها دهشة لساعات، يكتبون الرسائل بعناية ويهتمون بالهمزات، أولئك الذين يمقتون التزييف ويعشقون الأصل، يحنون للشال القديم والفستان الكلاسيكي والعطر العتيق، ليبشرني أحدكم أنه أدرك واحدًا منهم


1- الصورة لامرأة أفغانية تحتفل بيوم الحب "عام 2015"

- نشر في مجلة اليمامة بعنوان "العشق بين الأمس واليوم"

____

وسوم: #كافكا #ميلينا #العشق





إرسال تعليق