نموذج الاتصال

ما قبل الحقيقة

 

في خضم النزاعات المتواصلة بين حقين كلاهما يعتقد أنه أحق، وبين ما يجب أن يكون وما كان من الواجب ، أقف متمثلاً التعبير الذي صاغه فيودور دوستويفسكي (1821-1881) على لسان شخصية من شخصيات رواية الجريمة والعقاب حيث يقول (لأن يُخطئ المرء بطريقته الشخصية، فذلك يكاد يكون خيراً من ترديد حقيقة لقنه إياها غيره.)

أن يُملي علينا أحدهم موقفه ويتحذلق بعباراتٍ رنانة وابتسامةٍ لامعة, ويطلب منا أن نكون من ضمن جموع المتبعين له فهذا لا يروق  لي, الخطأ عن قناعة تامة بارتكابه وأنا أعتقد أنه صواب ومن ثم يتبين لي خطأ ما أفعل, خيرٌ من أن أفعل الصواب دون فهمٍ لمقياسه (مع الخيل يا شقراء)

وهذا يقودني إلى التفكير الصادق في نظرية المعرفة الشخصية, تلك اللحظة التي تصبح بها المعرفة من الإنسان إلى الإنسان ذاته, لا يطلبها من أحد, ربما يكتسبها من التأمل, من التفكر وإلى آخره . ومن هذا ما ذكر عن الفيلسوف رينيه ديكارت (1596-1650) إبان انعزاله في هولندا للكتابة والفكر نقلاً عن كتاب (ديكارت رائد الفلسفة في العصر الحديث) “ وعاش في هولندا ما يقرب من عشرين عاماً, فكانت من أخصب فترات حياته, كان في هذه السنوات لا يحفل بآراء الآخرين وكان كثير التأمل. ومما يذكر أن أحد أصدقائه سأله عن أهم الكتب  التي يعنى بقراءتها, فأخبره أنه ليس لديه كتباً في مكتبته”

فرغم صعوبة مهمة رينيه ديكارت ورغم أنه كان يكتب عن موضوع حساس جداً ومصيري في تاريخ الفلسفة الحديثة ظل ينطلق من تأملاته ورؤيته الشخصية للعالم أجمع, لم يرغب أن ينظر لما قاله السابقين -في وقتها- لكي لا تتأثر نظرته, أو وتُوجَّه من قبل آخرين
إن الموقف الذي يكون من شيءٍ ما لا يجب أن يكون - على ما أعتقد - ناتج عن تؤثر في موقفٍ آخر أتخذه كاتب أو مفكر أو مثقف أو فيلسوف ومن هم على شاكلتهم ولكن التفكير والتحليل هو الفيصل هنا, وهذا يقودنا إلى مرحلة ما قبل التحليل والتفكير, بطبيعة الحال لا نستطيع التفكير في كل شيء يطرأ علينا, ولا يتسع وقتنا اليومي لهذا, وإلى أن نفكر ونحلل هل يجب علينا أن نتخذ موقفاً ؟

هل يجب علينا تحت أي ظرفٍ من الظروف أن نتبنى رأياً, أو أن نقلد من يتبنى رأياً من الآراء أم أن الحياة بلا أن يكون لك رأي بكل شيء صغيراً كان أم كبيراً (مش بطالة وماشية) في نهاية المطاف, لماذا تكون الفكرة العامة دائما تقود إلى الكوجيتو "أنا أفكر إذاً أنا موجود" فالتفكير يؤدي إلى اتخاذ قرار كما أن التحليل يؤدي إلى الاستنتاج وكأنها قضية حتمية تقول بأن الإنسان الذي بلا موقف ليس موجوداً وهذا لا يناسبني, بل أني أميل إلى كامل محمد محمد عويضة حين قال بذات الكتاب "أنا موجود قبل أن أفكر" فالوجود مُتحقق سواء أكان هناك موقف أم كنا مُحجمين إلى حين.


- نُشر في مجلة اليمامة



إرسال تعليق