يقول الفيلسوف الألماني آرثر شوبنهاور (1788-1860) متحدثاً عن الحياة
"إنها شر" ثم يردف هذه الجملة بقوله "كوننا الحقيقي هذا بكل ما فيه
من شموس ومجرات هو في الحقيقة لا شيء"
هذا الحديث -كما هو متوقع من شوبنهاور- تشاؤمي بامتياز، ولكنني أردت
التحري عن السعادة في ظلمة التشاؤم، كما قال أبو الطيب "وبضدها تتبين
الأشياء."
فلو أردت الاستقصاء سأبحث عن الشيء مقابل اللاشيء، عن ماهية السعادة، أرى
أن الابتسامة هي التعبير الأشهر للتعبير عنها ولكن حتى هذه الابتسامة
أصبحت تشترى مقابل تذكرة طيران يجبر المضيف بعد أن يدفعها المرء على أن يبتسم له طوال
الرحلة، حتى وإن كان المسافر لئيم النفس، دنيء الطبع، متجهم الوجه، قاسي الجَناب،
ووجوده لا يبعث إلا على النفور، سيظهر له المضيف (تعبير السعادة) لأن السعادة
أصبحت وظيفة.
وبينما تمر بي نسمات الشتاء تِباعًا وأنا أستلقي بملابسي الثقيلة قرب المدفأة اهتز هاتفي، أجبت عليه، وجاءني صوتها عبر الذبذبات أرق من نسيم الهواء وأجمل مما قد يكون "ألو.. متعب؟" صمت لبرهة دون جواب، اللحظات الصامتة بدت أشد وطأة حين يغلفها البرد القارس ورجفة العِظام وسعادتي الغامرة وخوفي من الاتصال المفاجئ، رشفت من [كوب] القهوة بعجالة حتى أستطيع التفكير ثم أجبت "إيه متعب، من معي؟" لا أعلم لماذا راودتني فكرة غبية مفادها أنني يجب أن أبدو (ثقيل) وأنكر صوتها الذي لطالما شغف قلبي وكان مُناي الذي لا منية لي غيره، قالت "آسفة شكلي غلطانة" وأقفلت.
وبينما تمر بي نسمات الشتاء تِباعًا وأنا أستلقي بملابسي الثقيلة قرب المدفأة اهتز هاتفي، أجبت عليه، وجاءني صوتها عبر الذبذبات أرق من نسيم الهواء وأجمل مما قد يكون "ألو.. متعب؟" صمت لبرهة دون جواب، اللحظات الصامتة بدت أشد وطأة حين يغلفها البرد القارس ورجفة العِظام وسعادتي الغامرة وخوفي من الاتصال المفاجئ، رشفت من [كوب] القهوة بعجالة حتى أستطيع التفكير ثم أجبت "إيه متعب، من معي؟" لا أعلم لماذا راودتني فكرة غبية مفادها أنني يجب أن أبدو (ثقيل) وأنكر صوتها الذي لطالما شغف قلبي وكان مُناي الذي لا منية لي غيره، قالت "آسفة شكلي غلطانة" وأقفلت.
ولا زلت أتذكر صوتها بعد مضيّ كل تلك السنين ويشعرني بالسعادة، فهل نستطيع القول أن مشاعر الحب هي التي تصل بالإنسان إلى السعادة؟ يستمع إلى اهتزاز الوتر, يتذكر محبوبته التي في مكانٍ آخر, يذوبُ شوقًا وحنينًا, يحلق به تدفق المشاعر, يدفعه إلى الخفة ويسمو. وتقول غادة السمان (1942- ) من شروط الحب تذوق المحب للموسيقى "الإنسان الذي لا تهتز أعماقه للموسيقى هو رجل عاجز عن الحب, والرجل العاجز عن الحب رجل خطر"
يقف ليو تولستوي (1828-1910) وهو يهز سبابته يمنةً ويسرة معلنًا رفض ما تقدم ويقول " إن معرفة الله والحياة هما في الواقع شيء واحد، الله هو الحياة" وما دمت بعيدًا عنه ستحيا في ديجور سرمدي، فالسعادة تكمن في الدين، وكم شكونا إلى أمهاتنا الحزن فقالوا "من قل الصلاة والعبادة" فهم يحملون ذات النظرة، الأمهات فيلسوفات دون أن يشعروا.
وإن أردنا الربط بين المواضيع -ويروق لي هذا دائمًا- سأقول بأنها كلها تصب في ذات المجرى، الله خلق لنا مشاعر الحب، وهو الأحق بأن تعود إليه، وفي فجر المشاعر التي تتنفس معلنةً البدء, يصبح بها المحب مؤمنًا بالله، لا يستطيع أن يلحد وهو يرى العذوبة في صوت محبوبه والحسن في وجهه واللطف في حركاته، ويردد عند كل حركة تصدر منه "الله". وكما يقول سلمان نورة "أنا أحبك، ومن حُبك؟ أحب الله"
انتهى