كان مستلقيا على حشائش المزرعة يتذكر أيام الصبا, لم يكن من شيءٍ ذو قيمة بالنسبة له سوى ماضيه, سوى القبلات المسروقة, سوى الضحكات الخالية من المجاملة, سوى الوقت لذي لم يكن يرغب به إلا أن يلهو والآن..
الآن يقبع تحت عجلة تدور لتطحنه، وتقضي على كل ما تبقى من سعادة, البنك يلهث وراءه متعطشا ليبتلع مرتبه, الفواتير تطرق بابه ليلا ونهارا, الأبناء يريردون متطلبات, الزوجة تريد السفر وهو.. يريد أن يعود صبي.
الأماني تضج في عقله, كل ما سُأل "وش بتصير لما تكبر" يجيب على الفور "طيار." ربما أصبحت علاقته بالطيران بأن طموحاته وآماله تطير, وأمواله كذاك.
أحب فتاة تسكن في آخر الحارة, أرسل لها "المكاتيب" وانتظر ريثما يظهر شاربه معلنًا للجميع أنه رجل, لم يعرف الخبايا, كل ما يعرفه أنه سيكبر ثم يتزوجها ويحييون كما يحيا كل الكبار. لم تكن الظروف كما توقع. أصالةً لم يعد يهتم بها تحت وطأة العجلة التي تهرسه بلا هوادة.. ركن مشاعره جانبا ثم لم يعثر عليها.
يخطو أول خطوات الصباح إلى (المغسلة) فيرى وجهه بالمرآة وقد بان البؤس عليه, أصوات الأطفال من آخر المنزل وصياح زوجته عليه ليسرع.. هل هذا ما تخيله عندما كان صغيرًا؟