نموذج الاتصال

ماذا قال عبد الحليم حافظ للزمان

يأتي محمد حمزة على ورقة بيضاء فيسكب عليها من الحبر ما يشعل الأحاسيس ويدمي القلوب وما يلبث أن يستريح دقيقة ليشرب فنجان قهوة أو يشعل سيجار حتى تتقد برأسه الأفكار ويعاود الكتابة , فيقرأها بليغ حمدي حتى يتبادر لذهنه لحن يقطع الكلمات تقطيعًا فنيًا راقيًا لن تسمعه بهذه الأيام الغابرة, ويبدأ بتطبيقه على آلة العود التي يعشقها عشق الناسك للمحراب, وأخيرًا يشدو بها العندليب على مسرح جامعة القاهرة بحضور العُشاق, فتراهم أسفل المنصة, يميل بعضهم على بعض, هم بالفردوس أو أعلى منه منزله. ثم  تأتي الأغنية شيء خالد للأجيال اللاحقة كتحدٍ لمن سيتجاوزه أو يجاريه -أقلها-

أتحدث هنا عن الأغنية التي تتقاطر عذوبة ويهيم بها السامع حتى ينتشي كانتشاء قيس إبان حديثه مع ليلى, وهي "أي دمعة حزن لا"

تبدأ بترنيمات جميلة ومبهجة وابتسامات من عازف الكمان إلى عازف القيتار والعندليب يصفق مع الحضور وكأنك بأحد ليالي العيد بضيعات دمشق القديمة, ثم ينقلب العزف إلى هادئ شجيّ وكأني ببليغ حمدي وهو يلحن هذه النقلة كان على شاطئ النيل مع محبوبته يشربون الشاي الإنكليزي ويأكلون الكعك

ثم يصرح العندليب بنفي الحزن من القواميس والقول له لا متى ما كان بأي شكل كان وهو يقول:

’أي دمعة حزن ؟ لا 
أي جرح فقلبي ؟ لا 
أي لحظة حيرة ؟ لا 
حتى نار الغيرة ؟ لا‘

ويقول واصفًا الأيام التي يعيشها -وأكاد أجزم أن جميع العشاق هذا لسان حالهم- :

’عايشين سنين أحلام 
ذايبين بأحلى كلام

لا عرفنا لحظة ندم 
ولا خوف من الأيام‘

فيأتي مُنغص هذه اللحظات وهادم اللذات, يدق باب القلب على العاشقين وهم ذائبون بأحلى كلام -على حد تعبيره - ويريد القلب فتح الباب ولكن يأتي العندليب ناصحًا ومُحذراًا, ويجري بينهم هذا الحوار:

’قلبي دق دق دق..
قلت مين على البيبان؟

قلي افتح دا الزمان
قلت له يا قلبي لا‘

يقف العندليب وراء الباب ويحادث الزمان ويشرح له أيامه ولياليه, ويقول له أنه ينام على ضوء القمر ويصحو على همس محبوبته بأذنه التي لم تسمع ما يُسرها قبل تلك الأيام:

’من كام سنة قلبي وأنا عايشين هنا من .. كام سنة
من كام سنة دنيا الهنا بتضمنا من .. كام سنة‘

فكأني أرى الزمان يقول "ماذا حدث؟ ألم أكن الذي يداويك من الجِراح؟ ألم أكن القافلة عندما كنت بالجّب؟" فيقول العندليب:

’قال إيه ؟ جاي الزمان يداوينا 
من إيه ؟ جاي يا زمن تداوينا؟

سأل الزمان وقال: إيه غير الأحوال؟
قلنا له حبينا.. حبينا.. حبينا
وارتحنا و نسينا الجرح بتاع زمان‘


يحزم الزمان حقائبه مِن على الباب, يذهب في طريق التيه وحيدًا, لأن التعساء أصبحوا سعداء وبقيَ وحدهُ يعزف على قيثارة الألم في دنيا الوجع.






إرسال تعليق